سورة الطور - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الطور)


        


{والطور} الطُّورُ بالسُّريانية الجبلُ والمرادُ بهِ طورُ سينينَ وهُو جبلٌ بمدينَ سمعَ فيهِ مُوسى عليهِ السَّلامُ كلامَ الله تعالَى {وكتاب مُّسْطُورٍ} مكتوبٍ على وَجْهِ الانتظامِ فإنَّ السطرَ ترتيبُ الحروفِ المكتوبةِ والمرادُ بهِ القرآنُ أوْ ألواحُ مُوسى عليهِ السَّلامُ وهُو الأنسبُ بالطُّورِ أو مَا يكتبُ في اللوحِ أو ما يكتبُهُ الحفظةُ {فِى رَقّ مَّنْشُورٍ} الرقُّ الجلدُ الذي يكتبُ فيه استعيرَ لما يكتبُ فيهِ الكتابُ منَ الصحيفةِ، وتنكيرُهُمَا للتفخيمِ أوْ للإشعارِ بأنَّهما ليسَا مما يتعارفُه النَّاسُ {والبيت المعمور} أي الكعبةِ وعمارتُها بالحُجَّاجِ والعُمَّارِ والمجاورينَ أو الضراحُ وهوَ في السماءِ الرابعةِ وعُمرانُه كثرةُ غاشيتِه منَ الملائكةِ {والسقف المرفوع} أي السماءِ ولاَ يَخفْى حسنُ موقعِ العُنوانِ المذكورِ {والبحر المسجور} أي المملوءِ وهُو البحرُ المحيطُ أو الموقدُ منْ قولِه تعالَى: {وَإِذَا البحار سُجّرَتْ} فالمرادُ بهِ الجنسُ رُوي أنَّ الله تعالَى يجعلُ البحارَ يومَ القيامةِ نَاراً يسجرُ بَها نارَ جهنمَ.
{إِنَّ عَذَابَ رَبّكَ لَوَاقِعٌ} أَيْ لنازلٌ حَتْماً جَوابٌ للقسمِ وَقولُه تعالَى: {مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ} إِمَّا خبرٌ ثانٍ لأنَّ أَوْ صفةٌ لواقع وَمِنْ دافعٍ إمَّا مبتدأُ للظرفِ أوْ مرتفعٌ بهِ عَلى الفاعليةِ ومنْ مزيدةٌ للتأكيدِ. وتخصيصُ هذهِ الأمورِ بالإقسامِ بها لِمَا أنَّها أمُورٌ عظِامٌ تنبىءُ عنْ عِظمِ قدرةِ الله تعالَى وكمالِ علمهِ وحكمتِه الدالَّةِ عَلى إحاطتِه تعالَى بتفاصيلِ أعمالِ العبادِ وضبطِها الشاهدةِ بصدقِ أخبارِه التي مْن جُملتِها الجملةُ المقسمُ عَليها.


وقولُه تعالَى: {يَوْمَ تَمُورُ السماء مَوْراً} ظرفٌ لواقعٌ مبينٌ لكيفيةِ الوقوعِ منبىءٌ عنْ كمالِ هولِه وفظاعتِه، والمَوْرُ الاضطرابُ والترددُ في المجيءِ والذهابِ وقيلَ هُو تحركٌ في تموجٍ قيلَ تدورُ السماءُ كما تدورُ الرَّحَا وتتكّفأُ بأهلِها تكفؤَ السفينةِ وقيلَ تختلفُ أجزاؤُها {وَتَسِيرُ الجبال سَيْراً} أيْ تزولُ عن وَجْه الأرضِ فتصيرُ هباءً، وتأكيدُ الفعلينِ بمصدريِهما للإيذانِ بغرابتهِما وخروجهِما عنِ الحدودِ المعهودةِ أيْ موراً عجيباً وسيراً بديعاً لا يُدركُ كُنْهُهما.
{فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ} أيْ إذَا وقعَ ذلكَ أوْ إذَا كانَ الأمرُ كَما ذكرَ فويلٌ يومَ إذْ يقعُ ذلكَ لَهُم {الذين هُمْ فِى خَوْضٍ} أي اندفاعِ عجيبٍ في الأباطيلِ والأكاذيبِ {يَلْعَبُونَ} يلهوُن {يَوْمَ يُدَعُّونَ إلى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا} أيْ يدفعونَ إليَها دفعاً عنيفاً شديداً بأَنْ تغلَّ أيديهمْ إلى أعناقِهم وتجمعَ نواصيهِم إلى أقدامِهم فيدُفعُوا إِلى النارِ وَقرئ: {يُدْعَوْنَ} منَ الدُّعاءِ فيكونُ دعَّا حالاً بمَعْنى مدعوينَ. ويومَ إمَّا بدلٌ منْ يومَ تمورُ أَوْ ظرفٌ لقولٍ مقدرٍ قبلَ قولِه تعالَى: {هذه النار التى كُنتُم بِهَا تُكَذّبُونَ} أيْ يُقالُ لَهُم ذلكَ ومَعنْى التكذيبِ بَها تكذيبُهم بالوحِي الناطقِ بَها وقولُه تعالَى: {أَفَسِحْرٌ هذا} توبيخٌ وتقريعٌ لَهُم حيثُ كانُوا يسمُّونَهُ سِحْراً كأنَّه قيلَ كُنتم تقولونَ للقرآنِ الناطقِ بهذا سحرٌ فهَذا أَيْضاً سحرٌ. وتقديمُ الخبرِ لأنَّه محطُّ الإنكارِ ومدارُ التوبيخِ {أَمْ أَنتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ} أيْ أَمْ أنتُم عُمْيٌ عنِ المُخبَر عَنْه كما كُنتم عمياً عن الخبرِ، أو أمْ سُدَّتْ أبصارُكم كما سُدَّتْ في الدُّنيا على زعمكِم حيثُ كُنْتم تقولونَ {إنَّما سكّرتْ أبصارُنَا بَلْ تحنُ قومٌ مسحورونَ} {اصلوها فاصبروا أَوْ لاَ تَصْبِرُواْ} أي ادْخلُوهَا وقاسُوا شدائدَهَا فافعلُوا ما شئِتُم منَ الصَّبرِ وعدمِه {سَوَاء عَلَيْكُمْ} أي الأمرانِ في عدمِ النفعِ لاَ بدفعِ العذابِ ولا بتخفيفهِ وقولُه تعالَى: {إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} تعليلٌ للاستواءِ فإنَّ الجزاءَ حيثُ كانَ واجبَ الوقوعِ حتماً كان الصبرُ وعدمُه سواءً في عَدمِ النَّفعِ.


{إِنَّ المتقين فِى جنات وَنَعِيمٍ} أيْ فِي آية جناتٍ وأيِّ نعيمٍ عَلى أنَّ التنوينَ للتفخيمِ أوْ في جناتٍ ونعيمٍ مخصوصةٍ بالمتقينَ عَلى أنَّه للتنويعِ {فاكهين} ناعمينَ متلذذينَ {بِمَا ءاتاهم رَبُّهُمْ} وَقرئ: {فكهينَ} و{فاكهونَ} على أنَّه الخبرُ والظرفُ لغوٌ متعلقٌ بالخبرِ أوْ خبرٌ آخرُ {ووقاهم رَبُّهُمْ عَذَابَ الجحيم} عطفٌ عَلى آتاهُم عَلى أنَّ مَا مصدريةٌ أوْ عَلى خبرِ إنَّ، أوْ حالٌ بإضمارِ قَدْ إمَّا منَ المستكن في الخبرِ أو في الحال وإمَّا من فاعلِ أَتي أوْ منْ مفعولِه أو منهُما، وإظهارُ الربِّ في موقعِ الإضمارِ مضافاً إلى ضميرِهم للتشريفِ والتعليلِ {كُلُواْ واشربوا} أيْ يقالُ لَهُم كُلوا واشربُوا أكلاً وشرباً {هَنِيئَاً} أوْ طعاماً وشراباً هنيئاً وهُو الذَّي لا تنغيضَ فيهِ {بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} بسببِه أو بمقابلتِه، وقيلَ: الباءُ زائدةٌ ومَا فاعلُ هنيئاً أيْ هَناكُم مَا كنتُم تعملونَ أي جزاؤُه {مُتَّكِئِينَ على سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ} مصطّفةٍ {وزوجناهم بِحُورٍ عِينٍ} وقرئ: {بحورِ عينٍ} على إضافةِ الموصوفِ إلى صفتِه بالتأويلِ المشهورِ وقرئ: {بعينٍ عينٍ}، والباءُ معَ أن التزويجَ مما يتعدى إلى مفعولينِ لما فيهِ من مَعْنى الوصلِ والإلصاقِ أو للسببيةِ إذْ المَعْنى صيَّرناهُم أزواجاً بسببِهن فإنَّ الزوجيةَ لا تتحققُ بدونِ انضمامِهن إليهمْ وقولُه تعالَى: {والذين ءامَنُواْ} إلخ كلامٌ مستأنفٌ مسوقٌ لبيانِ حالِ طائفةٍ من أهلِ الجنةِ إثرَ بيانِ حالِ الكُلِّ وهُم الذينَ شاركتْهم ذريتُهم في الإيمانِ وهُوَ مبتدأٌ خبرُه ألحقنا بِهم وقولُه تعالَى: {واتبعتهم ذُرّيَّتُهُم} عطفٌ على آمنُوا وقيل: اعتراضٌ وقولُه تعالَى: {بإيمان} متعلقٌ بالاتّباعِ أيْ اتبعتْهم ذريتُهم بإيمانٍ في الجُملةِ قاصرٍ عن رتبةِ إيمانِ الآباءِ، واعتبارُ هذا القيدِ للإيذانِ بثبوتِ الحكمِ في الإيمانِ الكامل أصالةً لا إلحاقاً وقرئ: {ذرياتُهم} للمبالغةِ في الكثرةِ وذِرياتهم بكسرِ الذالِ وقرئ: {وأتبعناهُم ذرياتِهم} أي جعلناهُم تابعينَ لهم في الإيمانِ وقرئ: {أتبعْتُهم} {أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرّيَّتَهُمْ} أيْ في الدرجةِ كَما رُوي أنَّه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ قالَ: «إنَّه تعالَى يرفعُ ذريةَ المؤمنِ في درجتهِ وإنْ كانُوا دونَهُ لتقرَّ بهم عينُه ثم تلاَ هذهِ الآيةَ» {وَمَا ألتناهم} وما نقصنَا الآباءَ بهذَا الإلحاقِ {مّنْ عَمَلِهِم} منْ ثوابِ عملهم {مِن شَىْء} بأنْ أعطينَا بعضَ مثوباتِهم أبناءَهُم فتنقصَ مثوبتُهم وتنحطَّ درجتُهم وإنما رفعناهُم إلى منزلتِهم بمحضِ التفضلِ والإحسانِ وقرئ: {ألِتْنَاهُم} بكسرِ اللامِ من ألِتَ يألَتُ كعِلم يعلمَ والأولُ كضرَبَ يضرِبُ ولِتناهُم منْ لاَت يليتُ وآلتناهُم من آلَتَ يُؤُلِتُ ووَلَتْناهُم منْ وَلَتْ يَلِتُ والكلُّ بمَعْنى واحدٍ.
هَذا وقدْ قيلَ الموصولُ معطوفٌ على حُورٍ، والمَعْنى قرنَّاهُم بالحورِ وبالذينَ آمنُوا أيْ بالرفقاءِ والجلساءِ منُهم فيتمتعونَ تارةً بملاعبة الحُورِ وأُخرى بؤانسةِ الإخوانِ المؤمنينَ.
وقولُه تعالَى واتبعتُهم عطفٌ على زوجناهُم وقولُه تعالى بإيمانٍ متعلقٌ بما بعدَهُ أي بسببِ إيمانٍ عظيمٍ رفيعِ المحلِّ وهو إيمانُ الآباءِ ألحقنا بدرجاتِهم ذريَّتهم وإنْ كانُوا لا يستأهلونَها تفضلاً عليهم وعلى آبائِهم ليتِمَّ سرورُهم ويكملَ نعيمُهم أو بسببِ إيمانٍ دانِي المنزلةِ وهو إيمانُ الذريةِ كأنه قيلَ: بشيءٍ من الإيمانِ لا يؤهلُهم لدرجةِ الآباءِ ألحقناهُم بهمْ {كُلُّ امرىء بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ} قيلَ: هو فعيلٌ بمَعْنى مفعولٍ والمَعْنى كلُّ امرىءٍ مرهونٌ عندَ الله تعالى بالعملِ الصالحِ فإنْ عمِلَه فكَّه وإلا أهلكه وقيلَ: بمعنى الفاعلِ والمَعْنى كلُّ امرىءِ بما كسبَ راهنٌ أيْ دائمٌ ثابتٌ وهَذا أنسبُ بالمقامِ فإن الدوامَ يقتضِي عدمَ المفارقةِ بينَ المرءِ وعمله ومن ضرورتِه أنْ لا ينقصَ من ثوابِ الآباءِ شيءٌ فالجملةُ تعليلٌ لما قَبْلها.

1 | 2 | 3